فاتورة الدم فى بلاد الأرز(2)..أطفال لبنان وقود آلة الحرب..صغار يدلون بشهاداتهم لـاليوم السابع عن جرائم إسرائيل: بيتنا اتخرب.. ذوو الهمم: قصفونا أثناء النزوح..وأمهاتهم يروين كيف هربن حاملات أبناءهن على الأكتاف

2025-01-01 13:29:58

black bulls ضد المصري

جسدُ نحيل، بالكاد يقوى على حمل الحقيبة المدرسية، روح بلورية لم تُعكر نقاؤها بعد تعقيدات عالمنا المتحور؛ قلبُ شغوف بأفلام الكارتون وشخوصه التى مثلت عالمه الصغير.

- صمود "ذوى الهمم"يتحدى الحرب: قصفونا أثناء النزوح.. كملنا طريقنا وبلدنا هيرجع أقوى بنا

فاتورة الدم فى بلاد الأرز(2)..أطفال لبنان وقود آلة الحرب..صغار يدلون بشهاداتهم لـاليوم السابع عن جرائم إسرائيل: بيتنا اتخرب.. ذوو الهمم: قصفونا أثناء النزوح..وأمهاتهم يروين كيف هربن حاملات أبناءهن على الأكتاف

ـ صرخة وجع أطفال عبر "اليوم السابع": بيكفى حروب.. نفسنا نعيش فى سلام..انقذونا وأطفال غزة

فاتورة الدم فى بلاد الأرز(2)..أطفال لبنان وقود آلة الحرب..صغار يدلون بشهاداتهم لـاليوم السابع عن جرائم إسرائيل: بيتنا اتخرب.. ذوو الهمم: قصفونا أثناء النزوح..وأمهاتهم يروين كيف هربن حاملات أبناءهن على الأكتاف

ـ فاطمة (من ذوى الهمم) : اضطررت أن أقص شعرى لعدم توفر مشط بمركز الأيواء لأمشطه لمدة 30 يوما

ـ "الاتحاد اللبنانى للمعاقين" لـ"اليوم السابع": 1005 أشخاص حولتهم الحرب إلى معاقين

ـ زوج وزوجة من ذوى الهمم: لم نجد من يساعدنا على النزوح.. نعيش كابوس الحرب والمجتمع يقتلنا

ـ رئيس "الاتحاد اللبنانى للمعاقين": مراكز الإيواء رفضت استقبال المراكز رفضت استقبال المعاقين حركيا بدون مرافق ومرضى التوحد والمعاقين ذهنيا النازحون من مناطق القصف.. علينا توجيه أنظار المجتمع الدولى للذوى الهمم فى غزة الذين يُهاجمون بوحشية

ـ رئيس "الاتحاد اللبنانى للمعاقين": وقت الكوارث والأزمات المعاقون يدفعون أثمانا أكبر من غيرهم فعدد الضحايا منهم أربعة أمثال الضحايا من الأشخاص غير المعاقين

ـ 2000 فقط  من ذوى الهمم من تمكنوا من الفرار من القصف.. كثيرون أُجبروا على البقاء يواجهون الموت

ـ صرخات الطفلة جوليا تشق عنان السماء: "بدى بابا".. الأم: فقدنا الأمان.. وبخبى بنتى تحت الشجرة

ـ الطفلة "يارا" ضحية انفجار المرفأ والحرب لـ"اليوم السابع": بخاف من كل شيء ونفسى وجهى يرجع سليم

ـ الطفلة "حوراء": اتصدمت.. شفت صاروخين نازلين على بيت رفيقتى واستشهدت هي وأهلها

ـ طبيبة أطفال بمستشفى سيرا الحكومى: الأطفال عانوا من سرعة انتشار بعض الأمراض فى مراكز الإيواء منها الالتهاب الكبدى إيه

ـ جمعية "حماية" لليوم السابع: نقدم برامج دعم نفسى اجتماعى للأطفال المتضررين جراء الحرب لكن الأعداد هائلة

ـ الطفلة مارى عبلا: بدنا نعيش فى سلام.. انقذوا أطفال غزة.. نفسى أطلع مهندسة عشان أبنى كل البيوت اللى اتدمرت بس خايفة يرجع العدو يهدهم

ـ كثيرون من حديثى الولادة أثناء الحرب عانوا مشكلات صحية واحتاجوا وحدات رعاية خاصة.. وكثيرون وضعوا وواجهنا نقصا فى الحضانات بسبب ظروف الحرب

ـ والدة طفلة من ذوى الهمم: أرى القهر فى عين بنتى.. كنت أضطر لحملها والركض بها إلى مكان آمن مع كل إنذار بالإخلاء من الجيش الإسرائيلى ومع كل غارة

ـ "اليونيسف" لليوم السابع: تأثيرات كارثية على جيل بأكمله.. البعض سيكمل حياته بإعاقات دائمة وعدد كبير يعانون جروحًا نفسية غائرة سترفاقهم مدى الحياة

ـ ذوو الهمم قاموا بتحضير وجبات الطعام بالمطابخ العمومية لباقى المعاقين فى إصرار على تحدى كل الظروف القاسية

ـ وزارة الصحة اللبنانية: خصصنا خطا ساخنا للدعم النفسى وتم تدريب الطواقم الطبية على مراعاة الجانب النفسى مع مصابى الحرب

ـ أم طفل شهيد: بحثت عنه ساعات وسط الركام وخرج ميتا.. وبيتنا تحويشة العمر راح.. الله المنتقم

ـ الطفلة فانيسه: أرجف من صوت الغارة وأجرى أتخبى.. رسالة فانيسه لإسرائيل: بترجاكم وقفوا حروب ما بنتحمل.. كونوا مناح.. وبتمنى أروح على غزة أعطي أتياب جديدة للأطفال وألعاب عشان العام الجديد

ـ الطفل شربل جرجس: بيتنا اتقصف واتخرب وبابا اتصاب ولسه بيقصفونا وعايشين فى هلع.. بقول لإسرائيل حرام اللى بتعملوه بالعالم

ـ رسالة توجهها والدة الطفلة "جوليا" للمجتمع الدولى: اطَّلعوا فينا بإنسانية..اشفقوا علينا وعلى أولادنا اللى اتيتموا قبل ما يفتحوا عيونهم على الحياة

ـ متطوعة بجمعة مجتمع مدنى: مراكز الإيواء لم تكن مجهزة لذوي الإعاقة والبعض تعرض لأشكال مختلفة من العنف

ـ رئيس "الاتحاد اللبنانى للمعاقين": "المعاقون" الفئة المنسية فى المجتمع اللبنانى..عانوا إهمال وإقصاء الدولة لسنوات والحرب ضاعفت أوجاعهم

إحصائيات

316 شهيدًا من الأطفال في لبنان، طبقا لإحصائيات (وزارة الصحة)

1456 طفلاً مصاباً جراء العدوان على لبنان الإسرائيلية، وفق (وزارة الصحة)

نزوح 400 ألف طفل لبنانى

40% من الطلاب بالصفوف المختلفة عانوا النزوح، وفق (وزارة التربية والتعليم )

9,600 طفل تلقوا خدمات الإسعاف النفسى من (اليونيسف)

10,000 طفل تلقوا خدمات الدعم الاجتماعى، وفق (اليونيسف)

جسدُ نحيل، بالكاد يقوى على حمل الحقيبة المدرسية، روح بلورية لم يعكر نقاؤها بعد تعقيدات عالمنا المتحور؛ قلبُ شغوف بأفلام الكارتون وشخوصه التى مثلت عالمه الصغير وملاذه الأخير لتجاوز أصوات الطائرات التى تحلق فوق المنازل وانفجارات الغارات المتتالية، نفس يغمرها السلام أقصى ما كان يفزعها مشهد وحش يلتهم أرنبا صغيرا في الغابة.

لم يَدر بخيال هؤلاء الأطفال يومًا أن ما كان يُفزعون منه في أفلام الكارتون سيصبح واقعًا معاشًا؛ فوحش الغابة الكارتونى خرج من الشاشة الفضية ليأكلهم بدلًا من الأرانب الصغيرة.

لقد أبى العدوان الإسرائيلى على منطقتنا التعسة أن يعفى تلك الأجساد النحيلة، والفئات الأكثر ضعفاً فى المجتمع من دفع فاتورة الحرب الثقيلة؛ فحولتهم آلة الحرب إلى شهيد وجريح ويتيم ونازح بدون عنوان، وبدلًا من أن يذهبوا إلى مدارسهم لتلقى دروسهم آملين فى مستقبل مشرق تتحقق فيه أحلامهم، ذهبوا إليها هذه المرة "نازحين" لقد تبدلت ملامح الفصل الدراسى فى أعين هؤلاء المغلوبين على أمرهم، فلم يعد الفصل الدراسى مكانهم المحبب إليهم؛ حيث يلتقون زملاءهم والمعلمين والمعلمات، بل أصبح محل إقامتهم مع عشرات الأسر الأخرى.

فى هذه الحلقة من "فاتورة الحرب فى بلاد الأرز" نتناول أطفال لبنان نموذجًا لمآسى أطفال الحروب؛ فقد أضحى الطفل اللبنانى مشاركاً فى كُلفة الحرب الباهظة، ويعانون أضراراً مختلفة جسدية واجتماعية ونفسية.

التقي"اليوم السابع" ـ هاتفياً ـ نماذج من هؤلاء الأطفال بمختلف المناطق التى شهدت غارات إسرائيلية بلبنان، والذين بدت علي نبرات أصواتهم علامات القلق والكآبة، بينما يخبروننا عن ذكرياتهم المؤلمة مع الحرب، والكوابيس المتعلقة بالانفجارات؛ للتعرف عن قرب على ما ألحقته الحرب بهم ( بعد موافقة ولى الأمر على إجراء النشر).تحدثنا أيضاً مع عدد من المصادر ذات الصلة وأطباء وإخصائيين نفسيين، وجمعيات مجتمع مدنى دعمت الأطفال المتضررين جراء الحرب.

نتناول فى هذا التحقيق أيضاً فئة أخرى من الفئات الأكثر ضعفا، فُرضت عليها الكُلفة ذاتها وتحملت عبئا كبيرا فى هذه الحرب وتكاد تكون منسية فى المجتمع، إنهم "ذوو الهمم"، الذين بالرغم من ضعف أجسادهم ومعاناتهم؛ إلا أنهم صمدوا فى مواجهة نيران الحرب..لقد خفت وطأة الحرب التى لا تزال مشتعلة فى قرى الجنوب؛ لكن بقيت تحديات جمة أمام هؤلاء، نتعرف على التفاصيل فى ثنايا هذا التحقيق ..

..وانطفأت الأنوار!

تكشفُ وزارة الصحة اللبنانية لـ"اليوم السابع"، أن هناك حوالى 316 شهيداً و1456 جريحاً خلفتهم الحرب بين الأطفال، و85% من هؤلاء الضحايا سقطوا خلال شهرين فقط، نتيجة القصف المكثف بشكل وحشى، وأن الدمار الصحى هائل والإصابات معقدة، ولا يزال مصابون فى حاجة إلى عمليات جراحية، حيث لم تتح ظروف الحرب تقديم العلاج بالشكل الأمثل.

هذا بالإضافة إلى نزوح 400 ألف طفل من قرى وبلدات الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك؛ هربًا من القصف باحثين عن مكان آمن، وفق بيانات صادرة عن منظمة "يونيسف".

تُضيف "بلانش باز" المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فى لبنان لـ"اليوم السابع"، أن الإصابات جُلها كان بالغاً وتراوحت إصابات الأطفال بين نزيف وكسور وحروق؛ وأن بعضًا من هؤلاء سيكمل حياته بإعاقات دائمة، حيث استلزمت بعض الحالات بتر أطراف.

ومن الأرقام إلى أبطال المشهد على الأرض.. فكيف كان وقع الحرب عليهم؟

هذا ما حاولنا التعرف عليه من خلال التواصل مع عدد من الأطفال وأمهات الشهداء منهم..

"ماما ليش النور طفى.. شو صار.. إسرائيل هتُضربنا؟!" كانت هذه آخر كلمات نطق بها الطفل زين أحمد (9 سنوات) قبل أن تصعد روحه للمكان الذى يليق بملائكة السماء ضيوف الأرض.

كانت الأجواء شديدة الارتباك ليلة الـ7 من نوفمبر الماضى؛ حوالى الساعة التاسعة مساءً، لم يخفف من وطأتها على نفس زين إلا الفيلم الكارتونى "موانا" فهو الفيلم المفضل لديه، خاصةً بعد أن فرض عليه القصف العشوائى كغيره من الأطفال عدم الخروج من المنزل.

بدا بيت زين ساكنًا وكأنه الهدوء الذى يسبق العاصفة. وقفت الأم "نور" تترقب الأجواء من خلف زجاج الشرفة، بينما كان العدو الإسرائيلى يستعد لشن غارة عنيفة على منطقة النبطية تحديدا بلدة الشرقية حيث يقطن زين.

لم يدر بخلد الأم التى فقدت 4 من أفراد عائلتها أثناء الحرب، أن هذه آخر ليلة يمضيها مهند فى حضنها.

دقائق معدودات فصلت بين مشهد زين وهو يراقب أداء "موانا" عبر الشاشة الفضية ومشهد الشاشة الفضية ذاتها بين ركام منزل زين الذى اختلط بدمائه.

تنقل لنا تلك التفاصيل والدة الشهيد زين، بصوت بالكاد تسمعه وقد أنهك الألم قوة نبراته فأصبح مذبوحًا كقلب نور، فتقول: مشيت فوق جثث كتير فى مكان الغارة أحاول ألاقى ابنى، بين الزجاج والردم وشبورة تراب ثقيلة حجبت الرؤية.

لم تبكِ الأم كما توقعت ولكن احتراق روحها الذى بدا بين ثنايا حديثها كان أقوى من أنهار دموع، رُبما تحجرت عيناها من هول صدمة يقف الإنسان عاجزًا عن استيعابها.

تواصل الأم المكلومة حديثها، قائلةً: معرفتش أوصل لـ"زين"، بعد شوية جت سيارة الإسعاف اترجيتهم يلاقوا لى مهند انتظرت كتير على أمل يطلعوه، وأخيرًا خرج ميت، بعد ما كان فى حضنى بقى فى حضن الموت، خسرت ابنى والبيت اللى كان بتحويشة العمر ..الله المنتقم!

كان يستعد زين لبدء دراسته فى الصف الثالث الابتدائي قبل أن تحول الحرب دون فتح أبواب المدارس أمام طلابها.

"إجرى (رجلى) بتوجعنى كتير ونفسى أرجع امشى زى الأول" يصف محمد عمر (11 سنة) من سكان الغبيرى بالضاحية الجنوبية لبيروت، إصابته فى إحدى الغارت التى طالت منزله، فكانت الإصابة بالغة بإحدى ساقيه ورأسه والأذن اليمنى، ورغم أن محمد يتماثل للشفاء إلا أن ساقه تحتاج وقتا طويلا كى تستعيد وضعها الطبيعى، ما يترك بداخله أثرا كبيرا؛ خاصًة أنه كان يحب لعب كرة القدم ويمارسها بشكل منتظم.

طبعت نيران إحدى الغارات بصماتها على وجه "ريتا جوزيف" البالغة من العمر 10 سنوات، التى تحتاج أكثر من عملية تجميلية للتغلب على تلك الآثار.

نيران القصف لم تحرق وجه ريتا فقط؛ بل أحرقت معها الروح أيضا، تقول الطفلة الجميلة لـ"اليوم السابع": "ما بحب أشوف وجهى فى المراية، نفسى يتصلح وبرجع أحبه تانى"، تمهر ريتا حديثها بدموعها البريئة.

ختمت ريتا حديثها قائلة: "نفسى أروح غزة هناك فيه أطفال كتير وجههم محروق مثلى..نفسى أطبطب عليهم وأقولهم بكرا تتعالجوا وتخفوا".

تقول الدكتورة سارة جيدة مسئولة قسم الأطفال وحديثى الولادة فى مستشفى سيرا الحكومى فى الضنية شمال لبنان، لـ"اليوم السابع"، أن جُل حالات إصابات الأطفال فى الحرب كانت النزيف والكسور والحروق.

وأشارت إلى أنها كانت ضمن الفرق الطبية بالعيادات المتنقلة التى خصصت لمراكز الإيواء وفى هذا الصدد توضح أن هناك تحديات كثيرة واجهتهم أثناء العمل، كان من أهمها استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين القادمين من أماكن القصف الكثيف فى بعلبك والبقاع والجنوب، وتحجيم انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بين الأطفال فى مراكز الإيواء نتيجة تكدس الأعداد الكبيرة، مثل "الالتهاب الكبدى أيه" وأبرز أعراضه الإسهال والقيء والجفاف، فالأطفال عانوا من سرعة انتشار هذا المرض، إضافة لبعض حشرات الشعر.

وقد وضعت وزارة الصحة خطة لاحقا للتعامل مع هذه الأمراض المعدية، شملت عيادات متنقلة بفرق طبية وأنا كنت إحدى الطبيبات المشاركات فى هذه العيادات طوال فترة الحرب وما بعدها، وأيضا إطلاق حملة لقاحات للأمراض الأكثر انتشارا مثل الحصبة والحصبة الألمانية، وشلل الأطفال أيضا.

لم يسلم حديثو الولادة من تداعيات الحرب الطاحنة، حتى هؤلاء تحملوا الضريبة ـ توضح لنا الدكتورة سارة ـ حيث إن نسبة كبيرة من الذين وُلدوا أثناء فترة الحرب عانوا مشكلات صحية نتيجة الولادات المبكرة وهذه كانت بنسبة كبيرة، بسبب الضغوطات التى تعرضت لها الأم وعدم الرعاية الكافية فى أواخر فترة الحمل وأثناء الولادة وما بعدها مباشرة، والجهد البدنى الكبير الذى قامت به الأم خاصة فى حالات النزوح، واحتاجوا وحدات عناية خاصة.. وواجهنا نقصا فى أعداد هذه الوحدات (الحضانات) الحضانات لإنقاذ حياة الخُدج بسبب ظروف الحرب.

ايفانا عمرها عامان أصيبت فى غارة على بلدة طورا جنوب لبنان بينما كانت تلهوايفانا عمرها عامان أصيبت فى غارة على بلدة دير قانون النهر جنوب لبنان بينما كانت تلهو

تقديم الرعاية الطبية لأطفال فى الحربتقديم الرعاية الطبية لأطفال الحرب

"يارا" ضحية انفجار المرفأ والحرب!

نترك الضاحية وعلى مسافة قريبة منها لا تتجاوز الـ10 دقائق، وتحديدا فى منطقة الكارنتينا، نتوقف عند أحد العقارات القديمة المواجهة لمرفأ بيروت، فى شقة صغيرة بالطابق الثالث، هنا تقطن الطفلة "يارا وليد" (8 سنوات)، التى رُبما تكون القصة الأكثر إيلاماً بين من التقيتهم، فـ"يارا" إحدى الطفلات المصابات فى انفجار مرفأ بيروت، التقيتها فى منزلها ببيروت أثناء تغطيتى لأحداث الانفجار منذ 4 سنوات، وكانت تعانى جروحا بالغة فى وجهها ، خضعت لأكثر من عملية جراحية، دون أن تتخلص من الآثار بشكل كامل، أمام جمالها وخفة ظلها وإصرارها على حب الحياة لا تملك إلا أن تحب هذه الطفلة، ومنذ ذلك الوقت أصبحنا أصدقاء.

بعد أن توسع نطاق قصف العدوان الإسرائيلى ليشمل وسط بيروت، خطر لى التواصل مع والدتها للاطمئنان عليها.

وكانت المفاجأة الصادمة لى، حينما علمت أنها أُصيبت أيضا فى إحدى غارات الحرب، وإن كانت الإصابة ليست بالغة كسابقتها الناجمة عن انفجار المرفأ؛ إلا أن الأثر الغائر بنفسها، لا يمكن وصفه؛ فبينما كانت تبحث يارا عن بصيص أمل ينهى رحلة معاناتها مع تشوه تركته شظايا انفجارات مرفأ بيروت بوجهها وتحديدا الجانب الأيسر منه، جاءت الحرب "لتسكب زيتا على النار" وتلهب الجرح النفسى الذى لم يندمل بعد، بإصابة أخرى بالرأس فكانت أشد قساوة على نفسها المهشمة.

هاتفت والدتها "عالية" وطلبت منها التحدث إلى "يارا" وعلى غير عادتها لم ترغب فى الحديث، حاولت الأم إقناعها، إلى أن وافقت.

رد فعل يارا صَعَّب مهمتى، بعد مقدار الخوف الذى لمسته بداخلها و أصبح يتملكها، فقد خففت الحديث عن الحرب؛ محاولةً التعرف من خلال لغتها البسيطة عما تشعر به، فقالت "ما بشعر إلا بالخوف من العدو بيلاحقنا فى كل مكان، فين بدى أهرب منه".

الطفلة ياراالطفلة يارا

أما عن المدرسة حيث إنها فى الصف الثانى الابتدائى، فقالت بطلنا نروح بسبب القصف، فوجهت لها سؤالاً، كدت أجزم بداخلى بإجابته ولكن جواب يارا جاء مغايرا لتوقعاتى.

سألتها: نفسك ترجعى للمدرسة مع أصحابك؟.. فجاوبتنى: "لا مانى حابة أروح تانى على المدرسة، وحينما سألتها عن السبب قالت: زملائى بيتنمروا علىَّ، عشان التشوه اللى بوجهى، عايز أصلح وجهى الأول وأرجع متل الأول".

يعمل والد يارا سائقا ودخله لا يتحمل نفقات إجراء جراحة تجميلية لابنته، تنتظر يارا معجزة بإيجاد متبرع يقبل أن يعيد لها الحياة بضحكتها الصافية، ومداواة الندوب التى حفرها الانفجار وجددتها الحرب داخل نفسها..

يقول الدكتور ناصر أبو بكر ممثل منظمة الصحة العالمية بلبنان، الحاجة إلى الرعاية الصحية المتخصصة سوف تستمر لأشهر قادمة وربما لسنوات، ويحتاج عدد من المصابين جراحات ترميم، ويحتاج لبنان اختصاصيين علاج طبيعى لإعادة تأهل مبتورى الأطراف، واختصاصيين لمساعدة المصابين على استخدام الأجهزة المساعدة.

أتياب لأطفال غزة!

لم تكن جروح الروح والتأثير النفسى أقل وطأة على الأطفال من جروح الجسد، فهناك تأثيرات وصفتها "اليونيسف" بالكارثية على جيل بأكمله، وفق ما قالت بلانش باز لـ"اليوم السابع"، مضيفة أن عددا كبيرا من هؤلاء يعانون آثارا نفسية عميقة وندوباً سترفاقهم مدى الحياة.

تقول "باز" لـ"اليوم السابع": لاحظنا من خلال لقاءاتنا مع العديد من الأطفال علامات تنوعت بين الإرهاق النفسى والهلع والاضطراب والاكتئاب عليهم، وهم يتحدثون عن فقدان الأهل أو الأقارب أو رفاق لهم.

وعملت اليونيسف ـ توضح "باز" ـ خلال الحرب وما بعدها على مستويات عدة استجابة للأزمة الإنسانية، ومن بينها تقديم نشاطات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال وأهلهم أيضاً لمساعدتهم على التأقلم مع الأحاث المتسارعة، ودعم وصول الفرق الصحية المتنقلة إلى الأطفال بالخدمات الصحية والتغذوية واللقاحات الضرورية ومن خلال البرامج المشتركة مع الوزارات والقطاعات الرسمية المحلية والشركاء الدوليين والمحليين، وفرنا أكثر من 165 طنا من الإمدادات الطبية لدعم خطة الطوارئ الصحية.

بلانش بازبلانش باز

وتستطرد "باز" قائلة: مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، نتابع تقديم الدعم النقدي والدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي والصحي والتغذوي، ولكن عمل المنظمة يواجه تحديات ـ تقول "باز" ـ أبرزها نقص التمويل، فعلى الرغم من إطلاق ندائها الأخير العاجل لتمويل الاستجابة أثناء النزاع فى لبنان، تم تمويل هذا النداء بنسبة أقل من 20%.

"كنت أرجف من صوت الغارة وأجرى اتخبى.. بعد اللى شفناه بقول للعدو بترجاكم وقفوا الحروب عشان الولاد ما تتأذى أكتر من هيك ما بنتحمل، كونوا مناح (طيبين)"، هكذا أخبرتنا فانيسه -من سكان النبطية جنوب لبنان- عن وقع أصوات الغارات عليها.

لم تستطع فانيسه تستطع ترتيب كلماتها التى تصف بها حجم الرعب الذى انتابها ذات يوم وهى تشاهد ألسنة النيران تتصاعد بكثافة فى محيط منزلها الذى تعرض للقصف "وكأن لبنان كله عم يتحرق" تصف فانيسه المشهد.

الطفلة فانيسهالطفلة فانيسه

ما عايشته الطفلة ذات الـ6 سنوات، استحضر بذهنها مشهد أطفال غزة ، الذين يتعرضون يوميا منذ أكثر من عام لهذا الترويع، دفعها هذا لتقول :"بتمنى أروح لأطفال غزة وأعطيهم أتياب (ملابس) جديدة وألعاب عشان السنة الجديدة، وإن شاالله يرجع لهم بلدهم "؛ فأجبرت على تركه  ولعبها وسريرها الذى اعتاد عليه.

تكمل فانيسه حديثها لـ"اليوم السابع"، فتقول:" الدمار فى كل مكان إسرائيل قصفت بيوتنا كلنا".

ومن النبطية ذهبنا إلى قرية جديدة مرجعيون جنوبا، اختلفت المناطق ولكن الأثر بقى واحدا، فقد تركت الحرب آثار عميقة فى نفس الطفل شربل (12سنة) حيث قصف منزله ولا يزال صوت الغارات يلاحقه، ما يجعله فى وضع نفسى وصفته والدته "منال كسروينى" بـ"الصفر".

واجهتنا صعوبة الاتصال الهاتفى لضعف الشبكات فى تلك القرى، القريبة من الحدود الجنوبية مع الأراضى المحتلة، حيث القصف لا يزال مستمراً، بالكاد تحدثت لوالدة شربل، التى أكدت أنهم يعايشون ويلات الحرب، فقد قصفت قريتها عدة مرات، وأصيب زوجها بمسيرة إسرائيلية إصابة بالغة فى أحد ساقيه وبطنه، ثم تضرر منزلها فى إحدى الغارات بعد شهر من إصابة زوجها ، فاضطروا للنزوح من القرية مدة شهرين قبل أن يعودوا مجددا رغم استمرار القصف.

"كل هذه المعاناة جعلت ابنى شربل فى حالة نفسية (صفر) ـ تقول كسروينى ـ ابنى أصبح مصاب باكتئاب، وما عاد يلعب، ولا يتكلم ، بالليل بنئز (يصحى مفزوع)، وبيدخل فى حالة بكاء هيستيرى، كمان لسه تحليق المسيرات فوق البيوت ما بيعطينا نفس لنعالج ولادنا، كمان زوجى بدى استكمال معالجة".

فى كلمات مقتضبة حدثنى "شربل جرجس" وكأنه يبذل مجهودا لتحريك جبل، "أنا بالصف السادس لكن المدارس متوقفة، بابا انصاب و لسه بيتعالج وبيتنا اتخرب كله من القصف، ولسه بيقصفونا وعايش حد ماما من الخوف، ما عدنا قادرين نعيش" .

من أمام بلدة الخيام ، ضمن البلدات الحدودية، تحدثنا إلى ريمى لياس ، أحد سكان تلك المنطقة وهى أم لطفلين هما (شربل 14 سنة ومارى 10 سنوات) يعانون اضطرابات نفسية كبيرة، حيث إنهم بالمنطقة الأكثر اشتعالًا منذ ما يربو على العام، وحتى الآن وتعرض منزلهم للقصف عدة مرات.

بصوت تخنقه مرارة الخسارة ممزوجة بالقلق، تقول ريمى لـ"اليوم السابع"، زوجى من ذوى الهمم، ولم يتوفر لنا مأوى يمكننا النزوح إليه فاضطررنا للبقاء فى القرية رغم المخاطرة تحت القصف المستمر، ما أضاف أعباء نفسية كبيرة على أطفالى، فلجأت لدعمهم ببرامج علاجية من خلال أحد الإخصائيين النفسيين.

3d9149c0-9e16-4614-a28a-db21c39bed2a

خبرنا ريمى عن ظروفها، قائلة "زوجى أُصيب أيضا فى الحرب، أثناء محاولته وصديقه إنقاذ جارة لنا تُدعى هند مسعد، أصيبت فى غارة عنيفة على منزلها، ولكن مسيرة استهدفتهم جميعا، واستشهد رفيق زوجى وجارتنا، أمام عينى زوجى؛ ما جعله فى وضع صحى ونفسى سيئ جدا.

"كل هذه الأحداث جرت أمام أعين أولادى، فانتابتهم حالة من الصراخ الهيستيرى، ونوبات بكاء وتشنج، و لا تزال تنتابهم من وقت لآخر، خاصةً أثناء الليل، كما أن ابنتى تعانى فقدان الشهية، الهلع بمجرد سماع صوت طائرة، لقد أصبحت الأسرة كلها مدمرة نفسياً"، تقول ريمى.

منزل ريمى وأولادها فى الجنوب وقد دمرته الحربمنزل ريمى وأولادها فى الجنوب وقد دمرته الحرب

تواصل ريمى حديثها ، فتقول "أما ابنى فانعكس أجواء الحرب عليه فى شكل عصبية وعنف شديد فى ردة الفعل، وشرود مستمر، لا يستطيع التركيز فى دروسه، فلا تزال الدراسة أونلاين، والمدارس مغلقة، فمعظم الأسر والعائلات لا تزال نازحة، بسبب اضطراب الأوضاع هنا فى الجنوب وتحديا القرى التى على الحدود بين لبنان والأراضى المحتلة، فنحن نعيش اجواء الحرب، والدمار حولنا من كل اتجاه.

تقول ريمى ـ وهى تحاول التقاط أنفاسهاـ" القصف والغارات على هذا الخط الحدودى لا تهدأ ليلا ونهارا، ما بنقدر نخرج برات البيت، ومنزلنا تعرض للقصف أكثر من مرة، كل مرة نشعر أننا هنموت، وأولادى يجروا علىَّ أحاول أن أخبئهم، لكن ما فيه مكان ممكن أخبيهم فيه ولا أى مكان فيه أمان بالجنوب".

طلبت من الأم أن أتحدث لابنتها، فوافقت، لكنها نبهتنى بأن من الصعب عليها أن تتحدث فأصبحت تخشى أى إنسان غريب عنها، وقلما تتحدث حتى بداخل المنزل، رغم أنها كانت معروفة فى أسرتنا بالثرثرة وكثرة الحركة وروح الفواكه، "منذ الحرب أصبحت شخص تانى"، تقول والدتها.

صمتت الطفلة مارى عبلا (10 سنوات) بُرهة من الوقت، أعدت عليها السلام والتحية أكثر من مرة دون رد، بينما أسمع همهمة تشير إلى محاولات إجبار شفتيها على الحديث مع الضيفة، مثلما أبلغتها والدتها ، كنت أشعر بما تعانيه "مارى" ومحاولاتها المضنية للخروج عن صمتها، ظللت منتظرة ، إلى أن قالت عبارة واحدة:" ما بدنا حرب.. بدنا نعيش فى سلام، نفسى أطلع مهندسة عشان أبنى كل البيوت اللى اتدمرت بلبنان، بس خايفة الحرب يرجع العدو يهدهم زى أول".

تبدو الصدمة واضحةً أيضا على نبرات صوت حوراء نوفل (14 سنة )، حيث شاهدت وفاة أقرب صديقة لها وجميع أفراد أسرتها ( والدها ووالدتها وشقيقها أيضا)، تقول حوراء: "اتصدمت ومش قادرة أصدق لحد دلوقت .. كنت واقفة الضهرية بتطلع ( أنظر) من الشباك، وشفت صاروخين نازلين على بيت رفيقتى واستشهدت هي وأهلها وكل ما أنام أحلم بها".

اتخذت وزارة الصحة اللبنانية ـ وفق ما أوضحت لليوم السابع ـ عددا من الإجراءات للتعامل مع التداعيات النفسية للحرب؛ فخصصت خطا ساخنا للدعم النفسى واستقبال الطلبات فى هذا الشأن، كما درت الفرق الطبية لديها على كيفية تقديم الدعم النفسى؛ خاصة لمصابى الحرب سواء من الأطفال أو البالغين، وأصدرت تعليمات للأطباء المعالجين بضرورة تحويل الحالات التى تخضع لعلاج عضوى وتستدعى متابعة نفسية ، مباشرة إلى إخصائى نفسى ضمن الفريق المختص بذلك فى الوزارة.

تقول جمعية "حماية" إحدى الجمعيات المدنية المعنية بحماية الأطفال فى لبنان من شتى أنواع العنف و الإيذاء، اليوم الأطفال يشهدون نوعا جديدامن العنف وهو مشاهد الحرب من قصف ودماء ونزوح، هذه جميعا تترك أثرا على نفسية الطفل شبيه بالأثر الذى تتركه ممارسات العنف التقليدية .

توضح "حماية" لليوم السابع، أن الجمعية وسعت نطاق شغلها لتشمل الدعم النفسى الاجتماعى فى فترة الحرب وما بعدها، لتشمل الأطفال وأسرهم الذين يواجهون مشكلات نفسية واجتماعية، من خلال فريق من المتطوعين الذين سبق تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع الأطفال، كما أننا نسقنا مع الحكومة والمنظمات الدولية بلبنان والجهات المانحة لنكون ضمن الخطة الوطنية للاستجابة، والتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير احتياجات الأطفال بصفة خاصة، ولكن هناك مناطق كان يصعب وصولنا إليها مثل بعلبك ـ الهرمل بسبب العدوان والصعوبات اللوجيستية أيضا ، ومن التحديات التى نواجهها هو الزيادة الهائلة فى الاحتياج للدعم النفسى والاجتماعى عن الأطفال.

وتشير الجمعية إلى أن تلك الآثار تراوحت بين الإفراط فى السلوك العدائى لدى بعض الأطفال، والانطوائية لدى البعض الآخر، التعلق المفرط بالأب والأم، الإفراط فى تناول الطعام، أو العكس الإضراب عن الطعام، الإفراط فى النوم.

وحذرت "اليونيسف" من ضياع جيل فى لبنان الذى يواجه أزمات مركبة، أعقبها حرب ضروس، وما خلفته تلك الحرب من تبعات، من بينها تعطل الدراسة فأضحى ارتباك العملية التعليمية خطرا داهما يلاحق أطفال لبنان، حيث لا تزال مدارس الجنوب معطلة، ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار إلا أن الحياة تعانى شللا تاما بالجنوب، خاصة أن الجيش الإسرائيلى يحظر عودة سكان حوالى72قرية حدودية، مع توسع نطاق الغارات وتحليق الطيران على علو منخفض.

وفى هذا الصدد أيضا قالت "اليونيسف" لليوم السابع، إن إغلاق المدارس وتحويل العديد كبير منها الى مراكز إيواء أثّر على تعليم عدد كبير من الأطفال بخاصة الأكثر ضعفاً منهم المسجلين في المدارس الرسمية، وفى الصدد دعمت المنظمة خطة وزارة التربية في العودة الى التعليم لضمان استمرارية التعليم لجميع الأطفال في لبنان.أيتام خلفتهم الحرب..

"الأطفال الأيتام"..نموذج آخر من الأطفال الذين عبثت الحرب بأقدارهم، ورسمت لهم مستقبلا حتما سيحمل شيئا من تشوه الحاضر، فلا يمكن الفصل بين ماضى إنسان وحاضره ومستقبله.

وعلى الرغم من عدم توفر إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الذين حولتهم الحرب إلى أيتام بعد  استشهاد الأب أو الأم أو كليهما؛ إلا أن الواقع يشى بأن عددهم ليس قليلا ..

وبالنسبة لما يتركه فقدان أحد الوالدين أو كليهما على نفسية الطفل، توضح الدكتورة مانولا غمراوى الإخصائية النفسية ببيروت لـ"اليوم السابع"، إنه بفقدان أحد الأبوين يشعر الطفل بفقدان المرجعية، ويضيع النظام الرمزى لدى الطفل، ويصبح لدى الطفل اضطرابات مضادة للمجتمع، خاصة بغياب الأب مصدر القانون وواضعه بالنسبة للطفل، ويفقد الطفل القدرة على التمييز بين الحدود الأخلاقية أو الاجتماعية وتتولد لديه الفوضى داخليا.

دكتورة مانولا غمراوىدكتورة مانولا غمراوى

أما فقدان الأم يعنى للطفل فقدان الارتباط بالوجود، ويصبح الطفل عدونياً، وتتولد الرغبة إن فى تدمير الذات، والكثير منهم يتبى العنف كسلاح للدفاع مسبقا عن نفسه، لأن ذراع الحماية (الأم) بالنسبة له أصبح غير موجود، والبعض يبحثون عن "بدائل واليدية " ما قد يدفعه للانضمام لعصابات، أو شلل (مجموعات) من الأصدقاء غير المنضبطين أخلاقيا، المشكلة الأكبر أن صدمة فقدان أحد الوالدين تنتقل للأجيال التالية.

ولا يمكن النظر لهذه الحالة بمعزل عن التأثير الإجمالى للحرب، فـ"اليتم" واحد من الآثار السلبية المتعدد ة للحرب، والتى تعمل بالأساس على تفكيك البنية النفسية للطفل، وتشويش مبادئه وأفكاره، الحرب تُحدث خللاً بكل شئ، ما يؤثر بالتبعية على تكوين شخصية الطفل الذى هو نواة الأسرة مستقبلا والأسرة تساوى المجتمع.

وبشكل أشمل ـ تضيف غمراوى لليوم السابع ـ الحرب تشوه نفسية الطفل، فيحدث له اضطرابات ما بعد الصدمة، تترجم فى شكل إنكار الواقع، كوابيس، أو يقظة مفرطة أو يواجه صعوبات فى تكوين علاقات متوازنة، وأيضا يعانى اضطرابات فى التغذية، وأعراض الانسحاب الاجتماعى، وعلى المدى الطويل قد يصاب الطفل باكتئاب مزمن وفى سن المراهقة يصاب بأزمة هوية، إضافة للاتجاه للعزل والالتهاء بأشياء.

تقول الدكتورة مانولا، بشكل عام يعيش المواطن اللبنانى حالة تناقض بسبب تعدد الأزمات والحروب التى مر بها، بين الحب والكراهية، التعلق بهذا البلد أو النفور منه، فيما أطلق عليه"متلازمة بيروت" وهذا ليس مصطلحا طبيا بل شعبيا يرمز للحالة النفسية للبنانى، ولديه إرث نفسى من الحروب ساهمت فى تطبيعه بسمات شخصية معينة ، مقاوم للصدمات ومرونة فى رد الفعل .

يُمكنك التحقق من هذا الأثر القاتل الذى يطبعه اليُتم على نفس الطفل، إذا مررت بمدينة بعلبك الهرمل، ستجذب أذنيك صرخات تكاد تشق عنان السماء التى تغطى أجواء المدينة، وستتساءل لمن هذه الصرخات وما سببها؟

فاطمة وابنتها جوليا قبل استشهاد والدهافاطمة وابنتها جوليا قبل استشهاد والدها

إنها صرخات "جوليا بلال"، وهى تردد عبارة "بدى بابا" تلك الطفلة التى استشهد والدها فى غارة عنيفة فى أكتوبر الماضى، بينما كانت تخطو أوى خطواتها نحو عامها الثالث.

تقول فاطمة شرف الدين والدة جوليا، "خايفة على بنتى ، من بداية الحرب صارت ترجف لما تسمع صوت غارة أو طيارة فوق البيت، وطول الليل تفزع، وبعد استشهاد والدها زاد عليها نوبات الصريخ والبكاء وخوفى عليها بقى بجنون ، أول ما تطلع الغارة علينا أجرى مش عارفة فين أخبيها، فالضرب ملاحقنا بكل مكان، صرت أحضنها وأغطيها بملابسى وأقعد بها تحت شجرة موجودة فى حوش البيت، كل غارة كنت أعمل هيك، لدرجة أن الجيران عرفوا ..الكل صار عارف فاطمة بتخبى بنتها تحت الشجرة ".

رسالة توجهها والدة "جوليا" للمجتمع الدولى الصامت: اطَّلعوا فينا بإنسانية ..اشفقوا علينا وعلى أولادنا اللى اتيتموا قبل ما يفتحوا عيونهم على الحياة".

ذوو الهمم..حرب وإقصاء!

لقد فرضت الحرب نوعًا آخر من المعاناة أكثر مرارة وأشد إيلاماً، على فئة منسية فى المجتمع اللبنانى ـ وفقا لتصريحات النماذج التى التقيناها ومسئولة اتحاد المعاقين ـ  إنهم  ذوو الهمم (المعاقون من الأطفال والبالغون على حد سواء)، فهؤلاء تحملوا عبء النزوح فى ظل عدم توفر سيارات لنقلهم، أو مراكز إيواء مجهزة لاستقبالهم، فكان أمامهم خيارات أفضلهما مُر؛ إما تحمل مشقة الانتقال بالاعتماد على أنفسهم، إما البقاء تحت القصف ينتظرون الموت بين لحظة وأخرى..

ورغم احتراق قرى الحدود الجنوبية بنيران العدو الإسرائيلي خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر على وجه الخصوص، تضاءلت الأصوات التي تدعو إلى احتضان هؤلاء الأبطال الذين يواجهون الموت، عاجزين عن الفرار، دون أن تمتد يد للإنقاذ.

إحدى الطفلات التى تكبدت معاناة مضاعفة جراء الحربإحدى الطفلات التى تكبدت معاناة مضاعفة جراء الحرب

هذا بالإضافة إلى المعاناة النفسية، فكم كان قاسياً على هؤلاء الشعور بالإقصاء والاستقطاع من مجتمعهم؛ حتى بوقت الحرب، كثيرون منهم أصبحوا يعانون أمراضا نفسية جراء ذلك.

بالنسبة لتأثيرات الحرب نفسيا على ذوى الهمم، تقول الدكتور نيكول هانى إخصائية نفسية ببيروت ـ إن التأثيرات التى تتركها الحرب على المعاق ضعف ما تتركه فى نفسية الشخص الطبيعى، وتنتعش لديه مشاعر الرفض المجتمعى له، والشعور بالعجز الناتج عن تعزيز التبعية، يصبح مضطربا دائما بحثا عن من ينقذه، يتضاعف الإقصاء الاجتماعى له وتهميشه، خاصة مع تجاهل احتياجاتهم الجسدية والنفسية، ما يعزز مشاعر الدونية والرفض.

يحتاج شخص من بين 4 أشخاص يعانون إصابات تؤدى لبتر أحد الأطراف وتغير مسار حياتهم إلى إعادة تأهيل على المدى الطويل، وهذا يفرض تحديا آخر عليهم، تقول نيكول هانى.

طفلة من ذوى الهمم فُرضت عليها معاناة مضاعفة بعد أن تركت منزلهاطفلة من ذوى الهمم فُرضت عليها معاناة مضاعفة بعد أن تركت منزلها

تُبلغنا مزيدًا من التفاصيل حول معاناة المعاقين، سيلفانا اللقيس رئيس الاتحاد اللبنانى للمعاقين، ورئيس المنتدى العربى لذوى الإعاقة، حيث تقول لـ"اليوم السابع"، إن ذوى الهمم هم الفئة المنسية بالمجتمع اللبنانى، لم تلفت الحكومة لمشكلاتهم، التى ظلت تتراكم لسنوات ثم جاءت  الحرب لتضيف إلى وجعهم أوجاعاً، ورغم كونهم يمثلون ما بين 10 إلى 15% من إجمالي عدد السكان فى لبنان، أي ما يقارب 910 آلاف نسمة، إلا أنهم يعانون الإقصاء والتهميش.

سيلفانا اللقيسسيلفانا اللقيس

وعن ظروفهم أثناء الحرب، توضح سيلفانا، أن الظروف التى مروا بها كانت غاية فى القسوة، فعدد محدود للغاية من هؤلاء تمكن من الإخلاء و النزوح لا يتجاوز الـ2000معاق، والبعض الآخر حاولت أمهاتهم حملهم على اكتفاهن للهرب بهم من جحيم القصف، بينما اضطر آخرون للبقاء تحت القصف ليواجه مصيره.

إن عدم توفير بُنى تحتية مهيأة لاستقبال الأشخاص ذوى الهمم ساهم فى تعميق آثار الحرب على هؤلاء سواء بالنسبة لرعايتهم، أو توفير احتياجاتهم من أدوية وأغذية، أو بالنسبة لعملية النزوح، حيث لم تتوفر مراكز نزوح  خالية من العوائق الهندسية، تتناسب مع ظروفهم الخاصة لاستقبالهم، كما أن مراكز الإيواء كانت ترفض استقبال الأشخاص المعاقين الذين ليس معهم مرافق ، وهذا كان إجراءً شديد القسوة عليهم، توضح سيلفانا لليوم السابع.

في هذا السياق، تقول "نور أحمد"، متطوعة بإحدى جمعيات رعاية ذوى الهمم ، إن هذه الحرب فاقمت من أوضاع المعاقين في لبنان، فعدد كبير من مراكز الرعاية اضطرت إلى تقليص خدماتها بسبب نقص الإمدادات، وتوقفت عن تقديم خدماتها للأطفال الذين كانوا يتابعون علاجهم، ولم يقتصر الأمر على تراجع حجم الخدمات، إنما امتد لتناقص أعداد مقدمي الرعاية أيضا، فالبعض استشهد وآخرون نزحوا بعد أن تهدمت منازلهم جراء القصف.

هذا ما تؤكده أيضاً ديما عمر، والدة مريم (9 سنوات)، إحدى الطفلات المعاقات حركيا من جنوب لبنان.

تقول ديما التي كانت تعيش بمدينة الخيام الحدودية، والتي تتعرض للقصف الوحشى حتى الآن، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار، إنها كانت تضطر لحمل طفلتها والركض بها إلى مكان آمن مع كل إنذار بالإخلاء من الجيش الإسرائيلى ومع كل غارة.

"مريم لا تعبر بالكلام لكنها تراقب جيدا كل ما يدور حولها، وعيناها تحكيان كل شيء بداخلها من ضيق وتوتر وخوف"، تقول لنا والدتها.

ضاعف من قتامة المشهد عدم القدرة على تأمين الأدوية اللازمة لمريم بعد انقطاع التواصل مع الجمعية التي كانت ترعاها؛ ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.

الصعوبات التى تعرض لها ذوو الهمم أو المعاقون تصفها رولا زعيتر ـ متطوعة فى إحدى جمعيات المحتمع المدنى بالبقاع شرق لبنان ـ  فتقول إن ذوي الاحتياجات الخاصة عانوا الإهمال وانعدام سبل الانتقال الآمن إلى مراكز الإيواء، إضافة إلى شعور عائلاتهم بثقل المهام المتعلقة بنقلهم وتأمين أماكن ملائمة لاحتياجاتهم ومعدات تسهل حياتهم لهذا فكانوا يتركون بمكان الخطر، والبعض منهم كانوا يخشون الانتقال لمراكز الإيواء ويرفضون مغادرة منازلهم، مفضلين البقاء رغم أن منازلهم فى مناطق مستهدفة، ما عرضهم لمخاطر القصف والانفجارات.

قصة محزنة تنقلها لنا زعيتر، لفتاة ـ رفضت ذكر اسمها ـ بإحدى قرى الجنوب اللبنانى كانت  تعاني إعاقة حركية، ورفضت مغادرة المنزل وبعدها بأيام قليلة قُصف المنزل واستشهدت تلك الفتاة.

وتضيف زعيتر أن مراكز الإيواء لم تكن مجهزة بشكل مناسب لظروف ذوي الإعاقة، كما لم يحصلوا على مساعدات تلائم احتياجاتهم، والبعض منهم تعرض لأشكال مختلفة من العنف.

تروى لنا "زعيتر" قصة فتاة من إحدى قرى الجنوب كانت تعاني إعاقة حركية ؛ لكنها رفضت مغادرة المنزل فتعرض المنزل للقصف واستشهدت الفتاة داخل منزلها.

بالرغم من كل الصعوبات التى طوقتهم، إلا أن على مدى أيام الحرب ظل ذوو الهمم  يحاربون من أجل البقاء على قيد الحياة، وهو حق مشروع لهم كما لغيرهم فى المجتمع، ورغم قسوة الظروف لكن بقيت شموع الأمل تنير زوايا قلوبهم، تقودهم فى إصرار على الحياة.

يروى لنا خليل ميترك (38 عاما) من سكان قرية الزرارية بالقرب من حدود نهر الليطانى بالجنوب، ومصاب بشلل أطفال، تفاصيل ما عايشه خلال الحرب، قائلاً: تعرضت للإصابة فى يدى، أثناء قصف المنزل ، كما أننى فقدت مصدر قوت يومى وهو دكان صغير قرب المنزل ثم حاولت النزوح لكن العدو كان يقصف السيارات التى تقل النازحين، لكننا أصرينا نكمل طريقنا، أصرينا على الحياة.

ميترك وجد دكانه مدمرا جراء القصفميترك وجد دكانه مدمرا جراء القصف

يستكمل ميترك سرد تفاصيل قصته، قائلا: بعد عدة محاولات مضنية تمكنت من النزوح إلى "صيدا"، لأن بداخلى كان الإصرار على الحياة،  وساعدنى اتحاد المعاقين أن أجد مركز إيواء فى  كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة اللبنانية ، ثم انتقلت إلى "مغفر الدرك" لكن لم يتوفر الحد الأدنى من الاحتياجات اللازمة لحالتى، فكنت أنام على الأرض، كما أن الاستحمام كان بمياه باردة.

يواصل ميترك وصف الأيام التى عاشها أثناء الحرب قائلا :"قضيت 50 يوما من أقسى أيام حياتى".

وبالنسبة للدعم، قال ميترك: "مفيش أى جهة قدمت لنا دعم مادى أو غذائى أو نفسى" ، لكننى أحاول الاعتماد على على لأنهض من جديد وأصلح الدكان، ولبنان كله هيرجع أقوى بنا.

لا تختلف قصة "فاطمة ألوس" ـ 40 عاما ـ  كثيرا عن معاناة خليل ميترك، وإن كانت قصة فاطمة محملة بالوجع والصمود معا، فهى على الرغم من كونها تعانى إعاقة ، لكنها متطوعة لخدمة ذوى الهمم.

خليل من ذوى الهمم اضطر للنوم على الأرضخليل من ذوى الهمم اضطر للنوم على الأرض رغم حالته الصحية

فاطمة من قرية الحلانية فى بعلبك، تعرض منزلها التى تقطن فيه مع والدتها المسنة فى للقصف عدة مرات، تضرر المنزل أضرارا كبيرة، وتحت ضغط القصف اضطررت للنزوح مع والدتها، وهنا كانت رحلة الشقاء، فذات يوم شن العدوان سلسلة غارات عنيفة، هرعت فاطمة على إثرها من المنزل بدون الحذاء الطبى والعكازين، ومعها والدتها التى لا تقوى هى الأخرى على التحرك بمفردها.

تقول فاطمة ـ وكلماتها تقطر ألماً ـ اتخبينا فى الشوارع والبيوت المهدمة ، اتعذبنا كتير حتى وجدنا من يساعدنا على إيجاد سيارة ننتقل فيها إلى مكان آمن، لم نجد مركز إيواء لديه استعداد لاستقبال حالتى، تنقلت بين أكثر من مركز حتى ساعدنى اتحاد المعاقين، ووجهنى إلى مكان لم يكن مجهزا بشكل كافٍ ولكن لم أجد خيارا آخر، اضطررت للنوم على الأرض، خلال أول 10 أيام لم تكن الأغطية متاحة، أبسط أدوات النظافة الشخصية هى أيضا لم تكن متاحة، حتى إننى اضطررت إلى قص شعرى، الذى لم أجد مشطا لأمشطه لعشرات الأيام، وضعى كان سيئا للغاية، حتى دورة المياه، لم تكن مناسبة لنا كأشخاص معاقين.

صمتت فاطمة لثوانٍ شعرت أنها ساعات لثقل ما حملته من تنهدات كادت تحرق كل ما حولها ـ ثم عادت لتخبرنى أنها لا تجد الكلمات الكافية لتصف القصص المحزنة التي عاشتها طوال الحرب والمواقف غير الآدمية التى تعرضت لها.

طلبت فاطمة إرجاء باقى الحديث لوقت آخر، فقد أنهكها استرجاع تلك اللحظات .. اعتذرت لها عما سببته له من إزعاج، فجاء ردها لى حاملاً صمودا من نوع آخر وأنها تحاول استعادة قوتها؛ فقالت "ما فيه داع للاعتذار.. لابد أن نتحمل الألم و نضوى على هذه الجوانب المعتمة ..ما لازم نسكت"..

أن يقترب الخطر منك فهذا أمر حتماً يثير رعبك؛ لكن أن يقترب الخطر وأنت عاجز عن الفرار منه، فهذا أمر تبقى كلمة رعب قاصرة عن وصفه.

هذا ما قرأته بين ثنايا حديث "نوفل حبيب" 55 عاما، وزوجته نهاية دهينى، من منطقة الخرايب بصيدا، وهما من ذوى الهمم ، فقد أصيب نوفل خلال الغزو الإسرائيلي للبنان 1982ونتج عن ذلك إصابته بشلل نصفى.

بنبرة تحمل مشقة أيام طويلة وعناء ليالٍ قاسية يغلفها إصرار على الحياة، يقول "نوفل" لليوم السابع: هذه الحرب أكثر شدة من أي حرب مر على لبنان، الضرب على قريتنا كان عنيف ليل نهار.

في البداية لم نجد من يساعدنا على النزوح؛ فبقينا في البيت تحت خطر القصف والصواريخ التي تسقط  بشكل يومى بمحيط المنزل، إلى أن قررت الاعتماد على نفسى أنا وزوجتى بمساعدة ابنتنا حوراء التي تبلغ 14 عاما.

ذوى الهمم ينتظرون دورهم فى المساعدة عقب ترك منزلهم ولا يدرون أين يذهبونذوى الهمم ينتظرون دورهم فى المساعدة عقب ترك منزلهم ولا يدرون أين يذهبون

" رعب رعب رعب".. بهذه الكلمات يصف نوفل شعوره أثناء شن غارات فى محيط منزله، مضيفا ـ بلغته البسيطة المعبرة عن عمق الألم ـ " الله ما يوريها لحد تلك اللحظات ، الحرب حطمتنا، ولما رجعنا لبيتنا بعد شهرين من النزوح لقينا كل شيء مدمرا، حتى الدكان اللى كان رزقتى ومصدر معيشتنا الوحيد .. لكن الله كريم بنرجع نقف ونعمرها ".

تقول زوجته نهاية دهينى: نحن عايشين كابوس والمجتمع بيقتلنا بإهماله لنا، محرمون بالأساس من أي حقوق للمواطن العادى ، لا دعم مادى ولا رعاية صحية، ومع الحرب زاد الإهمال كأننا لسنا جزءا من المجتمع، ورغم كل شيء مصرون نكمل المشوار، لأن بلدنا هينهض بنا وبكل لبنان " .

طالبت "نهاية" عبر اليوم السابع  بتطبيق القانون 220 لسنة 2000 المعنى بحقوق المعاقين.

عودة إلى "سيلفانا"، رئيس الاتحاد اللبنانى للمعاقين، توضح لنا جانب الرعاية الصحية للجرحى من المعاقين، فتقل: الدولة عجزت عن توفير الخدمات الصحية اللازمة للمعاقين، حيث إنها تواجه ضعفا فى الموارد والإمكانات لسنوات بالتالى كانت فقط تُقدم لهم العلاجات الأولية، أما بالنسبة للإصابات المتقدمة؛ فعلاجها كان يحتاج تكاليف كبيرة يتحملها المعاق دون دعم الدولة.

أضافت أنه منذ بداية الاشتباكات فى الجنوب منذ 8 أكتوبر 2023، خاطب الاتحاد الحكومة اللبنانية؛ مطالبا بإنشاء وحدة لدمج المعاقين ضمن لجنة إدارة الكوارث، لكن دون استجابة، رغم أن لبنان واحد من الدول التى صدقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين وهذه الاتفاقية تحتم على حكومات الدول إعادة النظر فى المرافق الحالية لتكون جاهزة لخدمة هؤلاء وقت الكوارث بشكل يحقق المساواة بين جميع المواطنين.

أكدت سيلفانا، أن فى وقت الكوارث والأزمات، المعاقون يدفعون أثمانا أكبر من غيرهم، فعدد الضحايا منهم يكون أربعة أمثل الضحايا من الأشخاص غير المعاقين، وفى وقت النهوض دائما احتياجاتهم غائبة عن أجندة الدولة .

تستطرد سيلفانا قائلة، نحن كاتحاد لدينا فرق عمل بكل أنحاء لبنان لمحاولة تقديم المساعدة والبحث عن مراكز إيواء لهؤلاء الذين منازلهم بمناطق إطلاق نار، ونتواصل مع الحكومة لتوصيل احتياجاتهم، أيضا أنشأنا مطابخ عمومية لتوزيع الوجبات الغذائية على الأسر التى تمكنت من النزوح واللافت أن من كان يقوم بإعدادها هم من المعاقين، فى إصرار على تحدى كل الظروف القاسية.

فى ختام حديثها، قالت سيلفانا، أغتنم الفرصة لمحاولة توجيه أنظار المجتمع الدولى للمعاقين فى غزة أيضا الذين يُهاجمون بوحشية وهم عاجزون عن حماية أنفسهم فى مشهد غير آدمى، إضافة إلى هؤلاء من حولتهم الحرب لمعاقين أيضاً.

على الرغم من تحديات الحرب ومرارة الإقصاء، من قلب العتمة، يبرق نور إرادة أولئك الأبطال الذين لا يعرفون الاستسلام، يعيدون تعريف الصمود، باحثين عن فرص تمكين تنقلهم من الهامش إلى صلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهل تنصت حكومة بلدهم لأنينهم بعد أن قبلوا بدفع نصيبهم من فاتورة الحرب؟!

معاناة ذوى الهمم أثناء النزوحمعاناة ذوى الهمم أثناء النزوح

سياسة الخصوصية   ©الرؤية الإخبارية